كولونيل الزبربر، الحبيب السائح (الجزائر)، رواية دار الساقي - 2015

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الجمعة، ١٢ يونيو/ حزيران ٢٠١٥
جريدة الحياة
سارة ضاهر


الحبيب السائح يستعيد مأساة الجزائر... براهنها


هي الحرب لا تختفي، ولو بعد أكثر من ستين عاماً في «كولونيل الزبربر» (دار الساقي) الرواية الجديدة للروائي الجزائري الحبيب السائح. هذا العنوان المنسوب إلى جبال الزبربر أحد معاقل جيش التحرير خلال الحرب، والتي تحولت من مركز لكتائب جيش التحرير الوطني ما بين عامي 1954 و1962، إلى موقع للجماعات المسلحة عام 1992. وتقول الرواية أنّ هناك ذاكرة جغرافية أيضا إلى جانب الذاكرة التاريخيّة.

«الزبربر» في الرواية مكان سردي، يحيل إلى سنوات الدم والحرب. ومع ذلك، فهو أيضا المكان الجغرافي، الذي يتخذ لنفسه مساحة واسعة في الذاكرة الحاليّة، وله حدوده التي تشكّل إطار السرد تجنّبا لأي انفلات. فيقف السائح، هنا، في مواجهة الجغرافيا والتاريخ لتطويعهما من أجل السرد، وتشكيلهما روائياً.

تتمحور رواية «كولونيل الزبربر» حول شخصية طاوس الحضري، وهي امرأة في الرابعة والثلاثين، تعمل طبيبة أطفال، مقيمة في «رفان» مع زوجها «حكيم». تكتشف حياة جدّها مولاي الحضري المكنّى بـ «بوزفزة» والضابط السابق في صفوف جيش التحرير الوطني الجزائري خلال حرب التحرير (1954 - 1962). وكان جدها قد غادر الجندية والسياسة، عقب الاستقلال، احتجاجاً على إعدام حكومة الاستقلال أصغر ضابط برتبة عقيد في صفوف جيش التحرير والجيش الوطني الشعبي في 1964 بتهمة الخيانة والانفصالية. تسرد «طاوس» ذلك من خلال الملف، الذي تركه جدها، والذي أصبح شهادة على ما نهبته، من تاريخ رجال الشرف، أنانيات الساسة، وزحزحته حساباتهم إلى عراء النسيان حتى أصبحت ذاكرة جيل بأكمله، ملطخة بحماقات متعاقبة منذ خمسين عاماً.

يترك الجد لنجله جلال الحضري (والد طاوس)، المكنّى «كولونيل الزبربر»، كراسة سجل فيها يومياته المطبوعة بشراسة الحرب وفظاعة الموت ومشاهد التعذيب والإعدامات بالسلاح الأبيض، والتصفيات الفردية التي طاولت الجنود والضباط أنفسهم بتهم مختلفة، وتعدت إلى طلبة الجامعة الملتحقين بصفوف جبهة التحرير بدعوى أنهم مندسون، وكذا التصفيات الجماعية بتهمة الموالاة للعدو. الكراسة هذه سلّمها الجد إياه قبل وفاته في المستشفى العسكري، مرفقة بشهادة من طبيب جزائري، يعالج جرحى جنود جيش التحرير سراً، ويسرد فيها وقائع من الحرب داخل الجزائر العاصمة والأعمال الإرهابية للمنظمة المسلحة السرية، المعروفة بمنظمة الجيش السري (أو. آ. آس)، التي اغتالت المدنيين وفجّرت المقرات وأحرقت مكتبة الجامعة المركزية، قبل التحاقه نهائياً بجيش التحرير في جبال الزبربر.

ومن خلال طاوس، السفيرة إلى عالم الكولونيل، نتابع يومياته، مروراً بمدرسة أشبال الثورة، فالتحاقه بأكاديمية شرشال لمختلف الأسلحة، وصولاً إلى توظيفه في الميدان «العملياتي» ليكون أول ضابط يشكل فصيلة متخصصة في مواجهة الجماعات المسلحة بين 1992 و2012، وانتهاء بإحالته على التقاعد ليشرع في كتابة مذكراته. والمذكرات بغالبيتها أليمة وموجعة، بداية لفقده ابنه ياسين، الضابط في صفوف الأمن والذي قُتل في محاولة لتحرير رهائن من قبضة جماعة مسلحة، ومن ثمّ لفقده زوجته باية.

هذا في الظاهر الخاص، أما العام، فعوامل كثيرة تقف خلف المروي. على الصعيد العام، تجوب فصول الرواية في تاريخ حرب التحرير وتفاصيلها، وفيها يقترب السائح من الثورة في شكل أوسع، ويطرح الكثير من الالتباس الذي أحاط بتلك الحرب، والتي لا تزال، على ما يبدو، محط نقاش بين المشاركين فيها والسامعين عنها. ومن ثم تنتقل الرواية إلى مرحلة ما بعد الاستقلال ومنها مرحلة الاقتتال الدموي المأسوي في تاريخ الجزائر. وهي سنوات المجازر والقمع، وسنوات إعلان الحرب من غير أراضيها. تتشابك أحداث الرواية في تفاصيل الأحداث وتؤرخ لها، من خلال الذاكرة التي لا تزال خافقة بمعاناة الإنسان الجزائري ومأساته، وحيث تتقاطع مصائر وخيبات وتختلف نهايات.

أراد صاحب «تلك المحبة»، و «الموت في وهران» ، للرواية أن تهزّ الكثير من القناعات السياسية الراسخة في ما يتعلق بالنظرة إلى ثورة التحرير الجزائريّة بأنّها حرب لم تشبها شوائب، ومحاولة إثبات أنها نظرة خاطئة. والدليل ما تقدّمه الرواية من سرد حول الطريقة والظروف التي استشهد فيها الثوار. وهي ظروف غامضة ومبهمة، حاول الكاتب إلقاء الضوء عليها، على غرار الشهيد عميروش، سي الحواس، مصطفى بن بولعيد وعيسات إدير والعربي بن مهيدي وأبطال آخرون. إضافة إلى طرح الرواية لمسألة الارتداد من صفوف جيش التحرير إلى صفوف العدو الفرنسي والعكس، من صفّ العدو إلى صف جيش التحرير الوطني، أي الأجانب الذين ساهموا في الثورة التحريريّة.

إنّ استقراء رؤية الحبيب السائح للثورة كرمز مثالي، يتكشف عنه رمز مزدوج: الانتصار – الهذيان. وبسبب هذا الهذيان، ربما، لا يزال الكاتب الجزائري، مثل الطاهر وطار في «لاز»، ورشيد بو جدرة في «تفكك» يبحث في هذه المسألة، وإن كان البطل هنا «بوزفزة»، يختلف عن البطلين «زيدان» و «الغمري» على أكثر من صعيد سواء فكري أو أيدولوجي أو روائي بنيوي. لذلك تجدر الإشارة إلى أنّ استحضار الثورة وتفاصيلها، ومحاولة كشف غموضها، إنما هي عوامل تعود أساساً إلى حاضر الجزائر وواقعها، أي إلى حرب ما بعد الحرب.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)